فصل: الْأَثر الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث بعد السِّتين:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حاصر بني قُرَيْظَة فَأسلم ثَعْلَبَة وَأسد ابْنا سَعْية فأحرز لَهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ: أسلم ابْنا سعية القرظيان وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم محاصرًا بني قُرَيْظَة، فأحرزهما إسلامهما نفسهما وأموالهما من النّخل وَالْأَرْض وَغَيرهمَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن شيخ من بني قُرَيْظَة أَنه قَالَ: «هَل تَدْرِي عمَّ كَانَ إِسْلَام ثَعْلَبَة وَأسد ابْني سعية وَأسد بن عبيد نفر من هُذَيْل لم يَكُونُوا من بني قُرَيْظَة وَلَا نضير كَانُوا فَوق ذَلِك؟ قلت: لَا. قَالَ: فَإِنَّهُ قدم علينا رجل من الشَّام من يهود يُقَال لَهُ: ابْن الهيبان، فَأَقَامَ عندنَا، وَالله مَا رَأينَا رجلا قطّ لَا يُصَلِّي الْخمس خيرا مِنْهُ، فَقدم علينا قبل مبعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ. فَكُنَّا إِذا قحطنا وَقل علينا الْمَطَر نقُول لَهُ يَا ابْن الهيبان، اخْرُج فاستسق لنا، فَيَقُول: لَا وَالله حَتَّى تقدمُوا أَمَام مخرجكم صَدَقَة. فَنَقُول: كم نقدم فَيَقُول: صَاعا من تمر أَو مَدين من شعير ثمَّ يخرج إِلَى ظَاهِرَة حرتنا وَنحن مَعَه فيستسقي، فوَاللَّه مَا يقوم من مَجْلِسه حَتَّى يمر السَّحَاب، قد فعل ذَلِك غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَة فحضرته الْوَفَاة فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا معشر يهود، مَا تَرَوْنَهُ أخرجني من أَرض الْخمر والخمير إِلَى أَرض الْبُؤْس والجوع؟ فَقُلْنَا: أَنْت تعلم. فَقَالَ: إِنَّه إِنَّمَا أخرجني أتوقع خُرُوج نَبِي قد أظل زَمَانه هَذِه الْبِلَاد مهاجره فَأتبعهُ فَلَا تسبقن إِلَيْهِ إِذا خرج يَا معشر يهود؛ فَإِنَّهُ يسفك الدَّم، وَيَسْبِي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء مِمَّن خَالفه، فَلَا يمنعنكم ذَلِك مِنْهُ. ثمَّ مَاتَ، فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي افتتحت فِيهَا قُرَيْظَة، قَالَ أُولَئِكَ الْفتية الثَّلَاثَة وَكَانُوا شبَابًا أحداثًا يَا معشر يهود، وَالله إِنَّه للرجل الَّذِي كَانَ ذكر لكم ابْن الهيبان. قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالُوا: بلَى وَالله إِنَّه لَهو يَا معشر يهود، إِنَّه وَالله لَهو بِصفتِهِ. ثمَّ نزلُوا فأسلموا وخلوا أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وأهليهم قَالَ: وَكَانَت أَمْوَالهم فِي الْحصن مَعَ الْمُشْركين، فَلَمَّا فتح رد ذَلِك عَلَيْهِم».
فَائِدَة: «سَعْية» بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا يَاء مثناة تَحت، هَذَا صَوَابه، وَحَكَى صَاحب التنقيب فِي كتاب السّلم مِنْهُ أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: هَذَا. وَثَانِيها: بنُون بدل الْيَاء، وَجزم بِهِ أَولا وَقَالَ إِنَّه الصَّحِيح. وَثَالِثهَا: كَذَلِك لكنه بِضَم السِّين. وَرَابِعهَا: «سعبة» بسين وباء مُوَحدَة، قَالَ: وسعبة هَذَا هُوَ وَالِد زيد بن سعبة. قَالَ: ولسعبة ولدان: أَسد، وثعلبة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه بعد الضَّبْط الأول: هَذَا هُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَقد حَكَى جمَاعَة مِمَّن صنف فِي أَلْفَاظ الْمُهَذّب، أَنه يُقَال بالشين الْمُعْجَمَة، وَأَنه يُقَال بالنُّون بدل الْيَاء، قَالَ: وَكله تَصْحِيف، وَالْمَعْرُوف فِي كتب أهل هَذَا الْفَنّ مَا ذَكرْنَاهُ أَولا، وَمَا ذكره هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا أَخذه- وَالله أعلم- من بعض كتب الْفِقْه المضبوطة ضبطًا فَاسِدا. وَهُوَ وَالِد ثَعْلَبَة وَأسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين، وَقيل بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين، كَذَا قَيده إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن ابْن إِسْحَاق. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَنْبِيه المشتبه: فَأَخْطَأَ، وَقيل: أَسد بِفَتْح الْهمزَة وَالسِّين من غير يَاء، وتوفيا فِي حَيَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا جَمِيع مَا ذكره فِي النَّوْع الرَّابِع بِمَا قيل فِيهِ ابْن وأخو فلَان، وَقَالَ فِيهِ أَيْضا النَّوَوِيّ فِي تهذيبه فِي حرف الزَّاي فِي تَرْجَمَة زيد بن سعية: هُوَ أحد أَحْبَار الْيَهُود الَّذين أَسْلمُوا. توفّي فِي غَزْوَة تَبُوك. و«سعية» بسين مُهْملَة مَفْتُوحَة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّهَا مَضْمُومَة. قَالَ: وَهُوَ غَرِيب، وَهُوَ بالنُّون أَكثر، وَاقْتصر الْجُمْهُور عَلَى النُّون. و«الهيبان» بِفَتْح الْهَاء وَالْبَاء كَذَا ضَبطه المطرزي فِي الْمغرب وَقَالَ: لِأَنَّهُ من الهيبة وَهُوَ الْخَوْف.

.الحديث الرَّابِع بعد السِّتين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم أَوْطَاس: أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء وَاضحا.

.الحديث الخَامِس بعد السِّتين:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أصبْنَا نسَاء يَوْم أَوْطَاس فكرهوا أَن يقعوا عَلَيْهِنَّ من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، فَأنْزل الله عَزَّ وَجَلَّ: وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم فاستحللناهن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَهَذَا لَفظه عَن أبي سعيد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين بعث جَيْشًا إِلَى أَوْطَاس فَلَقوا عدوًّا فقاتلوهم، فظهروا عَلَيْهِم وَأَصَابُوا لَهُم سَبَايَا، فَكَأَن نَاسا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين؛ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} أَي: فهن لكم حَلَال إِذا انْقَضتْ عدتهن».

.الحديث السَّادِس بعد السِّتين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع نخل بني النَّضِير وَحرق عَلَيْهِم، وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا} الْآيَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب.

.الحديث السَّابِع بعد السِّتين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع عَلَى أهل الطَّائِف كرُومًا»
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن هناد بن السّري، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَار إِلَى الطَّائِف فَأمر بحصن مَالك بن عَوْف فهدم وَأمر بِقطع الأعناب». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن الْأسود، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: «نزل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأكمة عِنْد حصن الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ بضع عشرَة لَيْلَة وَقَاتلهمْ ثَقِيف بِالنَّبلِ وَالْحِجَارَة وهم فِي حصن الطَّائِف، وَكَثُرت الْقَتْلَى فِي الْمُسلمين وَفِي ثَقِيف، وَقطع الْمُسلمُونَ شَيْئا من كروم ثَقِيف ليغيظونهم بذلك، قَالَ عُرْوَة: وَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين حِين حاصروا ثَقِيف أَن يقطع كل رجل من الْمُسلمين خمس نخلات- أَو حبلات من كرومهم- فَأَتَاهُ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا عقا لَا تُؤْكَل ثَمَرَتهَا. فَأَمرهمْ أَن يقطعوا مَا أكلت ثَمَرَته الأول فَالْأول». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة فِي غَزْوَة الطَّائِف قَالَ: «وَنزل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأكمة عِنْد حصن الطَّائِف بضع عشرَة لَيْلَة فَقَاتلهُمْ...» فَذكره إِلَى أَن قَالَ: «وَقَطعُوا طَائِفَة من أعنابهم ليغيظونهم بهَا فَقَالَت ثَقِيف: لَا تفسدوا الْأَمْوَال فَإِنَّهَا لنا أَو لكم.
قَالَ: واستأذنه الْمُسلمُونَ فِي مناهضة الْجَيْش. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَى أَن نفتتحه وَمَا أذن لنا فِيهِ الْآن»
. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر أَن الطَّائِف كَانَ آخر غَزَوَاته.
قلت: أَي بِنَفسِهِ؛ فَإِنَّهَا فِي سنة ثَمَان وغزوة تَبُوك فِي سنة تسع لَكِن لم يُقَاتل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث جَيْشًا إِلَى الشَّام فنهاهم عَن قتل الشُّيُوخ وَأَصْحَاب الصوامع وَقطع الْأَشْجَار المثمرة».
قلت: هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يَحْيَى بن سعيد «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث جيوشًا إِلَى الشَّام فَخرج يمشي مَعَ يزِيد بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِير ربع من تِلْكَ الأرباع، فَقَالَ يزِيد لأبي بكر: إِمَّا أَن تركب وَإِمَّا أَن أنزل. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا أَنْت بنازل وَمَا أَنا رَاكب؛ إِنِّي احتسبت خُطاي هَذِه فِي سَبِيل الله، ثمَّ قَالَ: إِنَّك ستجد قوما زَعَمُوا أَنهم حبسوا أنفسهم لله. فذرهم وَمَا زَعَمُوا أَنهم حبسوا أنفسهم لَهُ. وستجد قوما فحصوا عَن أَوسط رُءُوسهم من الشّعْر، فَاضْرب مَا فحصوا عَنهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِّي مُوصِيك بِعشر: لَا تقتلن امْرَأَة وَلَا صبيًّا وَلَا كَبِيرا هرمًا، وَلَا تقطعن شَجرا مثمرًا، وَلَا تخربن عَامِرًا، وَلَا تعقرن شَاة وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لمأكلة، وَلَا تحرقن نحلًا وَلَا تفرقنه، وَلَا تغلل، وَلَا تجبن» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بأطول من هَذَا، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، مَا أَظن من هَذَا شَيْء، هَذَا كَلَام أهل الشَّام. وَذكر فِي كتاب الْمعرفَة أَنه لم يقف عَلَى الْمَعْنى الَّذِي لأَجله أنكرهُ، وَكَانَ ابْنه عبد الله زعم أَنه كَانَ مُنكر ذَلِك أَن يكون من حَدِيث الزُّهْرِيّ. قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: وَلَعَلَّ أَمر أبي بكر بِأَن يكفوا عَن أَن يقطعوا شَجرا مثمرًا إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخبر أَن بِلَاد الشَّام تفتح عَلَى الْمُسلمين، فَلَمَّا كَانَ مُبَاحا لَهُ أَن يقطع وَيتْرك اخْتَار التّرْك؛ نظرا للْمُسلمين، لَا أَنه رَآهُ محرما؛ لِأَنَّهُ قد حضر مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف، وَهَذَا الْجَواب أجَاب بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب نقلا عَن الْمُخْتَصر.

.الحديث الثَّامِن بعد السِّتين:

«أَن حَنْظَلَة بن الراهب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عقر بِأبي سُفْيَان فرسه يَوْم أحد فَسقط عَنهُ فَجَلَسَ، فَجَلَسَ حَنْظَلَة عَلَى صَدره ليذبحه، فجَاء ابْن شعوب وَقتل حَنْظَلَة واستنقذ أَبَا سُفْيَان، وَلم يُنكر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل حَنْظَلَة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: قد عقر حَنْظَلَة بن الراهب بِأبي سُفْيَان بن حَرْب يَوْم أحد فاكتسعت فرسه بِهِ فَسقط عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدره ليذبحه فَرَآهُ ابْن شعوب فَرجع إِلَيْهِ يعدو كَأَنَّهُ سبع فَقتله، واستنقذ أَبَا سُفْيَان من تَحْتَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان من بعد ذَلِك:
فَلَو شِئْت نجتني كنت رجيلة ** وَلم أحمل النعماء لِابْنِ شعوب

وَمَا زَالَ مهري مزجر الْكَلْب مِنْهُم ** كَذَا غدْوَة حَتَّى دنت لغروب

أقاتلهم طرًّا أدعوهم يآل غَالب ** وأدفعهم عني بِرُكْن صَلِيب

قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَنا الْحَاكِم، ثَنَا الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار، ثَنَا يُونُس بن بكير، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ وَغَيره فِي قصَّة أحد فَذكر فِي قصَّة حَنْظَلَة مَعَ أبي سُفْيَان وَمَا كَانَ من مَعُونَة ابْن شعوب أَبَا سُفْيَان وَقَتله حَنْظَلَة، إِلَّا أَنه لم يذكر الْعقر وَذكر أَبْيَات أبي سُفْيَان بِنَحْوِ مَا ذكرهن الشَّافِعِي وَزَاد عَلَيْهِنَّ، وَذكر الْوَاقِدِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة عقره فرسه.
أخبرنَا الْحَاكِم، أبنا مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا الْحسن بن الجهم، ثَنَا الْحُسَيْن بن الْفرج، ثَنَا الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه فَذكرُوا قصَّة حَنْظَلَة قَالُوا: «وَأخذ حَنْظَلَة بن أبي عَامر سلاحه فلحق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوف، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُشْركُونَ اعْترض حَنْظَلَة لأبي سُفْيَان بن حَرْب فَضرب عرقوب فرسه، قَالَ: فاكتسعت الْفرس وَوَقع أَبُو سُفْيَان إِلَى الأَرْض فَجعل يَصِيح: يَا معشر قُرَيْش، أَنا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب. وحَنْظَلَة يُرِيد ذبحه بِالسَّيْفِ، فَأَسْمع الصَّوْت رجَالًا لَا يلتفتون إِلَيْهِ فِي الْهَزِيمَة، حَتَّى غاثه الْأسود بن شعوب فَحمل عَلَى حَنْظَلَة بِالرُّمْحِ فأنفذه وهرب أَبُو سُفْيَان».
فَائِدَة: ابْن شَعُوب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْعين الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه، قَالَ ابْن سعد: اسْمه شَدَّاد بن أَوْس بن شعوب اللَّيْثِيّ. قَالَ ابْن إِسْحَاق: هُوَ شَدَّاد بن الْأسود اللَّيْثِيّ وَقد أسلفنا فِي أثْنَاء مَا ذَكرْنَاهُ عَن الْوَاقِدِيّ أَنه قَالَ اسْمه: الْأسود بن شعوب.

.الحديث التَّاسِع بعد السِّتين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن ذبح الْحَيَوَان إِلَّا لمأكلة».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْغَصْب، فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث السبعون:

«نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الْحَيَوَان صبرا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يقتل شَيْء من الْبَهَائِم صبرا». وَمن حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن من اتخذ شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا».
وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس «أَنه دخل دَار الحكم بن أَيُّوب فَإِذا قوم قد نصبوا دجَاجَة يَرْمُونَهَا فَقَالَ: نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصبر الْبَهَائِم» وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث بكير عَن عبيد بن تِعْلَى قَالَ: «غزونا مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد فَأتي بأَرْبعَة أعلاج من الْعَدو، فَأمر بهم فَقتلُوا صبرا بِالنَّبلِ، فَبلغ ذَلِك أَبَا أَيُّوب فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن قتل الصَّبْر». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن الْمنْهَال قَالَ: «كنت أَمْشِي مَعَ سعيد بن جُبَير فَقَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لعن الله من مثَّل بِالْحَيَوَانِ» وَفِي تَارِيخ الضُّعَفَاء للعقيلي من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرة قَالَ: «نهَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصبر الْبَهِيمَة وَأَن يُؤْكَل لَحمهَا إِذا صبرت». قَالَ الْعقيلِيّ: قد رَوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّهْي عَن صَبر الْبَهَائِم أَحَادِيث بأسانيد جِيَاد، وَأما أكل لَحمهَا فَلَا يحفظ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.

.الحديث الحَادِي بعد السّبْعين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن جَيْشًا غنموا طَعَاما وَعَسَلًا عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَأْخُذ مِنْهُم الْخمس» يَعْنِي مِمَّا تنَاوله.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع بِإِسْقَاط ابْن عمر، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: وَهَذَا أشبه.

.الحديث الثَّانِي بعد السّبْعين:

عَن ابْن عمر أَيْضا قَالَ: «كُنَّا نصيب فِي مغازينا الْعَسَل وَالْعِنَب فنأكله وَلَا ندفعه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «كُنَّا نصيب فِي الْمَغَازِي الْعَسَل والفاكهة فنأكله وَلَا ندفعه».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَنهُ: «كُنَّا نأتي الْمَغَازِي مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فنصيب الْعَسَل وَالسمن فنأكله».

.الحديث الثَّالِث بعد السّبْعين:

عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أصبْنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر طَعَاما فَكَانَ كل وَاحِد منا يَأْخُذ مِنْهُ قدر كِفَايَته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي مجَالد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «قلت: هَل كُنْتُم تخمسون الطَّعَام فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أصبْنَا طَعَاما يَوْم خَيْبَر، فَكَانَ الرجل يَجِيء فَيَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار مَا يَكْفِيهِ ثمَّ ينْصَرف». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فقد احْتج بِمُحَمد بن أبي المجالد وَعبد الله بن أبي المجالد جَمِيعًا وَلم يخرجَاهُ. هَذَا مَا ذكره فِي الْجِهَاد، ذكره بعد فِي قسم الْفَيْء عَن مجَالد الْمَذْكُور قَالَ: بَعَثَنِي أهل الْمَسْجِد إِلَى ابْن أبي أَوْفَى أسأله: «مَا صنع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَعَام أهل خَيْبَر؛ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقلت: هَل خمَّسَهُ؟ فَقَالَ: لَا، كَانَ أقل من ذَلِك، وَكَانَ أَحَدنَا إِذا أَرَادَ مِنْهُ أَخذ مِنْهُ حَاجته» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الصَّحِيحَيْنِ. أَحْمد فِي مُسْنده بِهَذِهِ السِّيَاقَة.
فَائِدَة: الصَّوَاب عبد الله بن أبي المجالد لَا مُحَمَّد بن أبي المجالد، وهم شُعْبَة فِي تَسْمِيَته مُحَمَّد كَمَا نبه عَلَى ذَلِك الْمزي.
قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كُنَّا نَأْخُذ من طَعَام الْمغنم مَا نشَاء.
قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة هَكَذَا وَقد استغربها ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط وَقَالَ: لم يذكر فِي كتب الحَدِيث الْأُصُول، وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير نَا معَاذ بن أبي الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن كثير الْعَبْدي، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، ثَنَا أَشْعَث بن سوار، عَن رجل، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «لم يُخَمّس الطَّعَام يَوْم خَيْبَر».

.الحديث الرَّابِع بعد السّبْعين:

عَن رويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يركب دَابَّة من فَيْء الْمُسلمين حَتَّى إِذا أعجفها ردهَا إِلَيْهِ، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس ثوبا من فَيْء الْمُسلمين حَتَّى إِذا أخلقه رده إِلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رواياتهم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك يَوْم خَيْبَر.
فَائِدَة: خلق الثَّوْب- مثلت اللَّام- عَن «الْمَشَارِق» والْمطَالع وَغَيرهمَا، وأخلق أَيْضا إِذا بلي وتمزَّق. وأخلقته إِمَّا يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى، والعجف- بِالتَّحْرِيكِ-: الهزال، وأعجفها: هزلها.

.الحديث الخَامِس بعد السّبْعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين سُئِلَ عَن ضَالَّة الْغنم: هِيَ لَك أَو لأخيك أَو الذِّئْب».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَابه فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث السَّادِس بعد السّبْعين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة.

.الحديث السَّابِع بعد السّبْعين:

«رَوَى أَن رجلا غلَّ فِي الْغَنِيمَة فَأحرق النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحْله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أحرقوا مَتَاع الغال وضربوه وَمنعُوا سَهْمه». وَزُهَيْر هَذَا هُوَ أَبُو الْمُنْذر الْمروزِي التَّمِيمِي الْعَنْبَري الْخُرَاسَانِي، سكن مَكَّة وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، كَمَا سلف فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين، وَالثَّانِي من بَاب صفة الصَّلَاة، وأسلفنا هُنَاكَ عَن أَحْمد توثيقه وَأَنه قَالَ مرّة: هُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ فَمرَّة قَالَ: إِنَّه ثِقَة. وَمرَّة قَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: رَوَى عَنهُ أهل الشَّام أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ الشاميين أخطئوا عَلَيْهِ؛ فَإِن رِوَايَة الْعِرَاقِيّين تشبه الْمُسْتَقيم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقوى. وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه فِي الْمُسْتَدْرك من طَرِيقه هَذَا: حَدِيث غَرِيب صَحِيح. لكنه قَالَ- فِيمَا نَقله عَنهُ الذَّهَبِيّ فِي جُزْء من تكلم فِيهِ وَهُوَ موثق-: إِن زهيرًا هَذَا مِمَّن خَفِي عَلَى مُسلم بعض حَاله، فَإِنَّهُ من الْعباد الصَّالِحين المجاورين بِمَكَّة، لَيْسَ فِي الحَدِيث بِذَاكَ، لينه أَحْمد؛ فيعترض عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحه إِذن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْغلُول لَيْسَ فِيهَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بتحريق مَتَاع الغال قَالَ: وَفِي ذَلِك دَلِيل عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَيُقَال: إِن زهيرًا هَذَا مَجْهُول وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ. قلت: غَرِيب. وَقَالَ الرَّافِعِيّ عَن الشَّافِعِي: لَو صَحَّ هَذَا الحَدِيث قلت بِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: يُرِيد أَنه لم تظهر صِحَّته. قَالَ: وَبِتَقْدِير الصِّحَّة فليحمل ذَلِك عَلَى أَنه كَانَ فِي مبدأ الْأَمر ثمَّ نسخ.
قلت: وَورد أَيْضا الْأَمر بذلك. رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ: «دخلت مَعَ مَسْلمة أَرض الرّوم فَأتي بِرَجُل قد غل فَسَأَلَ سالما عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا وجدْتُم الرجل قد غل فأحرقوا مَتَاعه واضربوه. قَالَ: فَوَجَدنَا فِي مَتَاعه مُصحفا فَسَأَلَ سالما عَنهُ فَقَالَ: بِعْهُ وَتصدق بِثمنِهِ». وَصَالح هَذَا ضعفه جماعات بل الْجُمْهُور، قَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَلَا يعلم، ويسند الْمَرَاسِيل وَلَا يفهم، فَلَمَّا كثر ذَلِك فِي حَدِيثه اسْتحق التّرْك. وَلم أر فِي توثيقه إِلَّا قَول الإِمَام أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضعف الحَدِيث أَيْضا جماعات، وَقَالَ البُخَارِيّ: صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة يروي عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن عمر رَفعه: «من غل فأحرقوا مَتَاعه» وَقد رَوَى ابْن عَبَّاس عَن عمر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغلُول وَلم يحرق. قَالَ البُخَارِيّ: وَعَامة أَصْحَابنَا يحتجون بِهَذَا فِي الْغلُول، وَهَذَا بَاطِل لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: نَا أَبُو صَالح الْأَنْطَاكِي، ثَنَا أَبُو إِسْحَاق صَالح بن مُحَمَّد قَالَ: «غزونا مَعَ الْوَلِيد بن هِشَام مَعنا سَالم بن عبد الله بن عمر، وَعمر بن عبد الْعَزِيز فَغَلَّ رجل منا مَتَاعا، فَأمر الْوَلِيد بمتاعه فَأحرق وطيف بِهِ وَلم يُعْطه سَهْمه». قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أصح الْحَدِيثين رَوَاهُ غير وَاحِد «أَن الْوَلِيد بن هِشَام حرق رَحل زِيَاد وَكَانَ قد غل وضربه» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه رَوَاهُ صَالح بن مُحَمَّد وَهُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَنْكَرُوا هَذَا الحَدِيث عَلَى صَالح بن مُحَمَّد. وَقلت: هَذَا حَدِيث لم يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا أصل لهَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَصَالح هَذَا ضَعِيف، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَن سالما أَمر بِهَذَا وَلم يرفعهُ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا ذكره عَن أَبِيه وَلَا عَن عمر. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى صَالح بن مُحَمَّد وَهُوَ مُنكر الحَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، ضعفه البُخَارِيّ وَغَيره. قَالَ: وَفِي بعض أَلْفَاظه: «فاضربوا عُنُقه واحرقوا مَتَاعه» ذكره ابْن عبد الْبر وَخَالف الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه من جِهَة صَالح الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه لمذهبه حَيْثُ قَالَ: إِذا غل من الْغَنِيمَة أحرق رَحْله إِلَّا السِّلَاح والمصحف خلافًا لأكثرهم، كَذَا هَذَا الحَدِيث. ثمَّ ذكره من طَرِيق الإِمَام أَحْمد ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالُوا: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فَبَطل كَلَامه السالف وَكَلَام يَحْيَى بن معِين فِيهِ أَيْضا. ثمَّ قَالَ:
قُلْنَا: قَالَ أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا.
وَهَذَا غَرِيب مِنْهُ فقد ذكره فِي ضُعَفَائِهِ- أَعنِي صَالح بن مُحَمَّد- وَنقل كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله ومنّه.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار:

.أحد عشر أثرا:

.أَحدهَا:

«أَن أَبَا بكر الصّديق بعث جَيْشًا إِلَى الشَّام فنهاهم عَن قتل الشُّيُوخ وَأَصْحَاب الصوامع، وَعَن قطع الْأَشْجَار المثمرة».
وَهَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أَنا فِئَة لكل مُسلم. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُوده بِالشَّام وَالْعراق».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَنا فِئَة لكل مُسلم» وَقد رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا أخرجه الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة فلقينا الْعَدو، فَحَاص الْمُسلمُونَ حَيْصَة وَكنت فِيمَن حَاص، قلت فِي نَفسِي: لَا ندخل الْمَدِينَة وَقد بؤنا بغضب من الله، ثمَّ قُلْنَا: ندْخلهَا فنمتار مِنْهَا، فَدَخَلْنَا فلقينا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَارج إِلَى الصَّلَاة فَقُلْنَا: نَحن الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ: بل أَنْتُم الْعَكَّارُونَ. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أردنَا أَن لَا ندخل الْمَدِينَة وَأَن نزلنَا الْبَحْر. فَقَالَ: لَا تَفعلُوا فَإِنِّي فِئَة كل مُسلم».
وَأخرجه الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن يزِيد نَحوه. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا عَن حسن، عَن زُهَيْر، عَن يزِيد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ نَحوه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يزِيد ابْن أبي زِيَاد.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّا لم نصححه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، وَقد عُلِم مَا فِيهِ.
فَائِدَة: مَعْنَى قَوْله: «فَحَاص النَّاس حَيْصَة»: فروا من الْقِتَال. قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته: حا وصاد مهملتين أَي مالوا يُرِيدُونَ الْفِرَار. قَالَ: وَرُوِيَ بِالْجِيم بِمَعْنى فروا، وَمَعْنى قَوْله: «بل أَنْتُم الْعَكَّارُونَ» الْعَكَّارُ الَّذِي يفر إِلَى أَمَامه ليبصره لَيْسَ يُرِيد بِهِ الْفِرَار من الزَّحْف.
فَائِدَة أُخْرَى: هَذِه السّريَّة هِيَ عزوة مُؤْتَة كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض الرِّوَايَات وَكَانَ الْعَدو كثيرا جدا كَانُوا قَرِيبا من مِائَتي ألف من الرّوم ونصارى الْعَرَب وَكَانَ الْمُسلمُونَ نَحوا من ثَلَاثَة آلَاف فَقَط كَذَا قيل.